بعضها يقود إلى الموت.. محاكم العراق تسجل 2452 حالة ابتزاز إلكتروني خلال عام!
لا تزال نسب جرائم الابتزاز الالكتروني تنمو لتشكل تهديدا آخر يستهدف بنية المجتمع العراقي بجميع مكوناته، وفيما طالبت جهات مختصة بالاسراع بتشريع قوانين صارمة بحق مرتكبي هذه الجرائم، أكدت في تصريحات إلى “القضاء” أن ارتفاع نسب تلك الجرائم يعود الى الانفلات الرقمي، وعدم الرقابة الحقيقية، وتراخي الردع المجتمعي، لاسيما مع عدم وجود تشريع يتناول تفاصيل هذه الجرائم بشكل خاص.
وخلال ورشة نظمتها رابطة القاضيات العراقية، وصف رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان جرائم الابتزاز الالكتروني بـ”الجريمة الجديدة”.
وقال رئيس المجلس إن “قضايا خطيرة عرضت أمام المحاكم العراقية، وبعض تلك الجرائم تسببت في انتحار الضحايا، وانطلاقاً من أهمية هذه الجريمة فأن مجلس القضاء الأعلى يرعى هذه الورشة التي عقدتها رابطة القاضيات العراقية”، مشيراً الى ان “موضوع الابتزاز الالكتروني له وجوه متعددة فهو لا يقتصر على الفتيات فقط، وانما تجاوز الى ابتزاز معاكس فكان الرجال من ضحايا الجريمة أيضاً.
وتابع أن “ما يشكل خطرا أكبر هو وجود ابتزاز مؤسسات إذ أن بعض وسائل الاعلام او المحسوبين على الاعلام يستغلون الفضاء المنفلت وهذه الحرية في استخدام السوشيال ميديا ليتم إنشاء مواقع وهمية ليس لها أوليات يهاجمون مؤسسات الدولة ويتم ابتزازها”.
رئيسة رابطة القاضيات العراقية القاضي تغريد عبد المجيد قالت إن “الرابطة ارتأت تنظيم ورشة بخصوص جرائم الابتزاز الالكتروني والتي كانت برعاية مباشرة من رئيس مجلس القضاء الأعلى، تهدف الى توعية المجتمع بخطورة هذه الجريمة وتوضيح أساليب حماية البيانات الشخصية للمستخدم مما يقلل من امكانية اختراقها لذلك فقد دعت هذه الرابطة الجهات ذات التأثير المباشر بهذا الخصوص كهيئة الاعلام والاتصالات ووزارة الداخلية وشؤون الامن الوطني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي اضافة الى مختصين من الامانة العامة لمجلس الوزارء ومجلس النواب لغرض الوصول الى اكبر قاعدة من المجتمع لإيصال أهدافها والضغط على مجلس النواب لتشريع قانون مكافحة الجرائم الالكترونية”.
وأشارت عبد المجيد إلى أن “جريمة الابتزاز الالكتروني هي جريمة حديثة على المجتمع العراقي وكانت ثورة التكنولوجيا وتطور وسائل الاتصال سببا في ظهورها وأصبحت تفتك بالمجتمع”، مبينة ان “جريمة الابتزاز الالكتروني تجر المجتمع الى عدة جرائم اخرى كالسرقة وتعاطي المخدرات وأحياناً الانتحار بسبب الضغوط النفسية والمادية التي يتعرض لها المجنى عليه”.
وبينت عبد المجيد بان “الورشة انتهت بتوصيات وتوجيه دعوات الى الجهات المختصة لغرض اتخاذ كافة الوسائل للوصول إلى اهداف الورشة وتطبيقها كما تم التنسيق مع هيئة الاتصالات والإعلام لغرض بث برامج تحذيرية توعية بشكل رسائل sms الى كافة المستخدمين”.
من جانبه أكد قاضي تحقيق الرصافة القاضي فراس حميد على “زيادة إقبال ضحايا الابتزاز الالكتروني من النساء على التبليغ في مكاتب التحقيق القضائي” عازياً السبب إلى “وعي الكثير من الضحايا بان اللجوء إلى المحاكم هو الطريق السليم للخلاص من طلبات المبتزين كذلك لتفهم العائلات نوايا الجناة هي الحصول على مكاسب مالية وخلق فجوة في اسر المجتمع”.
وأوضح ان “جميع الإجراءات المتخذة بقضايا الابتزاز الالكتروني تكون سرية عن الناس وعدم السماح البوح بها”، لافتاً الى ان “اغلب القضايا التي قدمت من قبل الفتيات اللاتي تعرضن للابتزاز يتم كشف الجناة حتى وان كان متخفيا خلف الشاشة بحسابات وهمية او ارقام غير صحيحة، ويتم اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه”.
وأشار الى ان “احد اهم اسباب عزوف الفتيات عن ابلاغ السلطات عن جرائم الابتزاز الالكتروني هو الخشية من الفضيحة الاجتماعية وعلم الاهل وخشية عقابهم ويودي هذا العزوف الى حالات الانتحار او ايذاء النفس او الهروب من المنزل”.
وأكد “ازدياد جرائم الابتزاز الالكتروني في السنوات الاخيرة”، عازياً الاسباب الى “انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستعمالها بصورة غير صحيحة وكذلك تعدد الانماط الحياتية للمجتمع، وازدياد السكان وعدم وضع ضوابط قانونية محددة عن آلية استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بنصوص خاصة كذلك العزوف عن ابلاغ السلطات والاستجابة الى رغبات الجناة بدفع المبالغ المالية واقامة العلاقات غير الشرعية مما شجع الجناة الى القدوم على ارتكاب المزيد من هذه الجريمة”.
واوضح حميد ان “محور هذه الجريمة هو حصول الجناة على البيانات الشخصية والصور والفيديوهات للمجنى عليهم بغية الابتزاز والحصول على مكاسب مالية او اقامة علاقات غير شرعية مع الضحايا”.
واضاف حميد ان ” القضاء العراقي يتعامل مع جرائم الابتزاز بصورة خاصة للمحافظة على المعلومات والبيانات والادلة المتحصلة فيها وعدم تسريبها للناس كما انه يعاقب على الجرائم المرتكبة وفق قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وبعقوبات مختلفة تصل بعضها بالسجن لمدة سبع سنوات”.
وأوردت رابطة القاضيات العراقيات إحصائية بينت فيها أن “عدد حالات جرائم الابتزاز الالكتروني في العراق بلغت 2452 حالة للمدة من 2-1-2022 إلى 31-3-2022 واوضحت الإحصائية أن “هذه النسب جاءت ضمن إجابات رئاسات محاكم الاستئناف الاتحادية لعام 2022 وتوزعت كالتالي بغداد/ الرصافة (76 حالة)، وبغداد/ الكرخ (481 حالة)، ونينوى (146 حالة)، والبصرة (57 حالة)، وميسان (9 حالات)، وصلاح الدين (75 حالة)، وذي قار (227 حالة)، وكركوك (207 حالات)، والمثنى (75 حالة)”.
وتابعت الإحصائية أن “بابل سجلت (102 حالة)، والنجف (19 حالة)، وكربلاء (209 حالات)، وديالى (421 حالة)، وواسط (14 حالة)، والقادسية (113 حالة)، والأنبار (221 حالة)”، لافتة إلى أن “اغلب ضحايا هذه الجرائم سيدات وفتيات”.
من جانبها، قالت الدكتورة ميادة الحجامي بشأن إقرار قانون جرائم المعلوماتية “ننتظر تشكيل الحكومة إما ان تؤيد النسخة الموجودة حاليا أو ترسل نسخة جديدة”، مؤكدة على ان “مجلس النواب مهتم جدا بموضوع جرائم الابتزاز الالكتروني التي تعتبر احدى جرائم المشمولة بقانون جرائم المعلوماتية وخصوصا من النائب الاول ولجنة الامن والدفاع”، مشيرة الى أن “المجلس عقد جلسات استماع وورش عمل عدة مع الجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات دولية لاسيما في الدورة الرابعة لأجل إنضاج مسودة مشروع القانون المرسل من الحكومة”.
من جانبها اشادت رئيس نقابة المحامين العراقيين احلام اللامي بالنشاط القانوني الريادي لرابطة القاضيات العراقية بعقدها ورشة الابتزاز الالكتروني، واعتبرت إياها “مسؤولية قضائية مهمة تسهم في الحد من الجريمة الخطيرة على أمن المجتمع واطمئنانه”، مؤكدة على “ضرورة الإسراع في تشريع قانون عقابيّ خاص يتناول جرائم الابتزاز وسائر الجرائم الإلكترونيّة”.
وشددت اللامي على ” ضرورة عمل الحكومة العراقية بأجهزتها المختصّة كهيئة الإعلام والاتصالات والجهات المعنيّة، على الحد من بوابات النفوذ الإلكترونية، خصوصاً وأن الكثير من المنشورات التي تنشر من خارج العراق تساهم في هذه الجرائم و بهذا يكون العراق أرضًا خصبة لانتشارها”.
وابدت اللامي استعداد نقابة المحامين “على توعية المجتمع بتفاصيلها وتحذير الضحايا من الوقوع في شراك المبتزين، والحفاظ على خصوصيتهم”.
من جانبه، كشف مدير عام هيئة الإعلام والاتصالات حسين السراي ان “العمل جار لوضع ضوابط لمواقع التواصل الاجتماعي، وسيتم العمل بها”.
وأكد أن “هذه الضوابط شبه موحدة لجميع الدول العربية وتتمثل بطلب معلومات كاملة عن المستخدمين وتنظيم الفضاء الالكتروني بشكل عام”، مشيرا إلى أن “هناك قرارات للجامعة العربية تخص هذا الشأن مؤكدا “تشكيل لجنة عربية موحدة والعراق احد أعضائها تتفاوض الآن مع شركات التواصل الاجتماعي”.
وأكد أن “الهيئة تتواصل مع شركات التواصل الاجتماعي وهناك كادر تقني يعمل على حل وتنظيم بعض الإشكاليات، ونحن كهيئة تنظيمية نقوم بتوجيه وسائل الاعلام والجامعات لحماية أنفسهم من جرائم الابتزاز الالكتروني”.
ولم يسلم الفنان العراقي من الابتزاز بل تعرض بشكل كبير إلى هذه الجرائم، حسب قول الاعلامي علي الخالدي في حديثه مع جريدة القضاء قائلاً إن “جريمة الابتزاز لا تختلف عن الارهاب فيجب محاربته على انه شبح غير مرئي الا ان افعاله تؤدي الى الموت والقتل”، داعياً ضحايا الابتزاز الى “التعامل مع المبتز بذكاء وقوة وعدم الاستسلام والرضوخ لطلباته”، لافتاً الى ان “الاستسلام معناه تحقيق مبتغى المجرم لان غاية المبتز هي اما ان تكون أداة بيده او تكون مصرفا بالنسبة له ففي الحالتين سوف يصارع الضحية من اجل ارضائه على حساب نفسه او كيانه”.
من جانبهم علق قضاة جزاء على جرائم الابتزاز الالكتروني، مؤكدين خطورة هذه الجريمة لاسيما أنها تتعلق بالجانب الأخلاقي وتشويه السمعة ما يشكل خطرا على حياة الضحية وعدم لجوئه لطلب الشكوى.
وينتقد القاضي عماد الفتلاوي سياسة مواقع التواصل الاجتماعي في طريقة إنشاء الحسابات وما تسببه من عراقيل في الكشف عن مستخدميها لاسيما ما يتعلق بسياسة الخصوصية.
وذكر أن “أجهزة الأمن تواجه صعوبة في الوصول إلى المبتزين، ويجب أن تكون هناك رقابة مركزية وان لا تحمي هذه المواقع المستخدم عند ارتكاب جريمة الابتزاز، إضافة إلى انشاء الايميلات الوهمية وشرائح الهواتف التي تباع في إقليم كردستان من دون تسجيل ولا عقد شراء”.
وعن العقوبات، لفت القاضي حبيب إبراهيم إلى أن “التكييف الصحيح لفعل المتهم ينطبق وأحكام المادة 430 من قانون العقوبات كون الجريمة المرتكبة من جرائم الجنايات التي تصل عقوبتها إلى السجن 7 سنوات وهي من الجرائم العابرة للحدود”.
ويعتقد القاضي ان “هذه العقوبة تعتبر كافية ورادعة، ولكن فيما إذا تم اقرار قانون جرائم المعلوماتية قد يتناول هذه الجريمة بشكل دقيق وربما يشدد عقوبتها ما يحد منها ومن آثارها”.
وتابع أن “الحد من هذه الجرائم يحتاج إلى نهضة اجتماعية وتوعية خاصة من قبل جميع المؤسسات سواء من خلال ورش العمل أو غيرها من الوسائل التي تساعد الضحايا على تقديم الشكاوى عن أي حالة ابتزاز”.