حصان طروادة شرق أوروبا.. “دونباس” من هي ولماذا الصراع عليها؟

بعد اعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين قراره، بالاعتراف بـ جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وما أثاره من ردود أفعال عالمية والتلويح بالحرب في دونباس فإن السؤال المهم ماهو تأريخ هذه المناطق ولماذا هذا الصراع عليها وما هي اهميتها كي تكون حصان طروادة كل طرف للتدخل و تصل الامور الى حد التهديد بحرب عالمية ثالثة بين اقطاب العالم.
أصل التسمية
دونباس هي اختصار لكلمتي “دون” من دونيتسك، و”باس” من باسين بالروسية، أي “حوض دونيتسك“، وجاء اسمها من حوض الفحم الذي اكتُشف في عام 1721 والذي تمت تسميته على اسم نهر دونيتس العابر في المنطقة، بحسب موقع “بريطانيكا”. وبدأ استغلال حوض دونيتسك في أوائل القرن الـ19، وبحلول عام 1913 كان ينتج 87% من الفحم الروسي.
سكانه الأوائل كانوا من الأتراك
تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من سكان أوكرانيا البالغ عددهم أكثر من 40 مليوناً، كما يُعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية، كلغة أولى وبصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل في الشمال الشرقي، فيما تسود الأوكرانية بوسط وغربي البلاد، ويترجم هذا إلى رغبة الأقاليم الوسطى والغربية بأوكرانيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما تميل الأقاليم الشرقية والجنوبية لروسيا..
ويطلق مصطلح إقليم الدونباس على مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك بشرق أوكرانيا، كما أن هناك منطقة متاخمة يطلق عليها دونباس الروسية وكانت منطقة الدونباس مأهولة منذ قرون، من قبل عدد من القبائل البدوية التركية مثل البلغار، وأخيراً المغول، والتتار وتتار الناغويا قبل أن يتم غزوها من قبل روسيا القيصرية وفي نهاية القرن الثامن عشر هاجر العديد من الأوكرانيين والروس والصرب واليونانيين للمنطقة، في إطار محاولة روسيا تعمير هذه المناطق بعد إضعافها وقضائها على خانيات التتار المسلمين.
وأطلقت روسيا القيصرية على هذه الأراضي المحتلة حديثاً اسم “روسيا الجديدة”، وبدأ استغلال موارد الفحم الهائلة بالمنطقة في منتصف أواخر القرن التاسع عشر وفي هذه المرحلة، بدأ استخدام اسم Donbas، المشتق من مصطلح “فحم حوض نهر الدونس”، وأدى صعود صناعة الفحم لازدهار سكاني في المنطقة، مدفوعاً إلى حد كبير، من قبل المستوطنين الروس.
وعلى مدار العقود التالية هاجر الروس إلى المنطقة التي تعتبر جزءاً من أوكرانيا متاخماً لروسيا، للعمل في هذه الصناعات المزدهرة، وأصبح الروس يمثلون أغلبية سكان المدن، بينما يمثل الأوكرانيون أغلب سكان الريف وازدادت كثافة الوجود الروسي مع المذابح والمجاعات التي تأثر بها الأوكرانيون أكثر من الروس خلال الحرب الأهلية الروسية التي أعقبت تأسيس الاتحاد السوفييتي ثم في العهد الستاليني، إضافة إلى سياسات الترويس في عهد الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين التي توقفت في عهد نيكيتا خروشوف.
منطقة عابرة للحدود
حوض دونيتس المعروف بـدونباس وتُقدر مساحته بنحو 52 ألف كم مربع ويضم منطقتي دونيتسك ولوغانسك المتاخمة للحدود مع روسيا وهي منطقة ثقافية واقتصادية وتاريخية تقع في شرق أوكرانيا، وتعتبر من المناطق متجاوزة الحدود ولهذا فهي كانت تمثل مشكلة جغرافية منذ فترة ليست بالقصيرة، ووفقاً لتعداد عام 2001، يشكل الأوكرانيون 58% من سكان مقاطعة لوغانسك و56.9% ومقاطعة دونيتسك، بينما يشكل الروس العرقيون أكبر أقلية، حيث يمثلون 39% و38.2% من سكان المنطقتين على التوالي.
أهميتها الاقتصادية
اشتهرت المنطقة في الأصل باستخراج الفحم من المناجم، وقد أصبحت منطقة ذات نشاط اقتصادي كثيف تعاني من الاضمحلال العمراني والتلوث الصناعي وسابقًا كانت دونباس تشكل الحدود التاريخية بين منطقة زابوروجيان سيتش الأوكرانية ومنطقة دن قوسيكي الأوكرانية، وكانت منطقة مهمة لتعدين الفحم منذ أواخر القرن التاسع عشر، عندما أصبحت منطقة صناعية إلى حد كبير.
يُشار إلى دونباس أحياناً على أنها منطقة متجاوزة للحدود، كونها تمثل جزءاً من منطقة روستوف أوبلاست في روسيا ويتضح هذا من امتداد حوض فحم دانيتسك جغرافياً إلى المنطقة المتخصصة في استخراج فحم التعدين التي يُطلق عليها “دونباس الروسية” أحياناً ولكن الأخيرة ذات أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية أقل مقارنة بالجزء الذي تم ضمه إلى أوكرانيا بعد عام 1991، إثر انهيار الاتحاد السوفيتي.
الصراع في دونيتسك ولوغانسك (حرب شبه وطنية)
الحرب في دونباس هي نزاع مسلح بدأ في اذار 2014، حين اندلعت مظاهرات من قبل الجماعات الموالية لروسيا والمناهضة للحكومة في أوبلاست دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا، والتي يطلق عليها عادة (الدونباس)، في أعقاب الثورة الأوكرانية عام 2014 وحركة الميدان الأوروبي، وهذه المظاهرات التي أعقبت ضم الاتحاد الروسي لشبه جزيرة القرم، كانت جزءًا من مجموعة أوسع من الاحتجاجات المؤيدة لروسيا في جنوب وشرق أوكرانيا، حيث تصاعدت إلى نزاع مسلح بين القوات الانفصالية المدعومة من روسيا في جمهوريتي دونيتسك و لوجانسك الشعبية (جمهورية أوكرانيا الشعبية) والحكومة الأوكرانية.
تحول الصراع في أوبلاست دونيتسك ولوغانسك أوبلاست إلى حرب شبه وطنية بدأت في نيسان من العام 2014 ضد الحكومة الأوكرانية ما بعد تلك الثورة ومع تقدم النزاع، تحولت المعارضة الأوكرانية الروسية إلى تمرد مؤيد لروسيا، وغالبًا ما يدعمه ويساعده الجيش الروسي وقواته الخاصة.
وفي 2014، قامت روسيا بالعديد من العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، بعد احتجاجات الميدان الأوروبي وعزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، حيث قام الجنود الروس بالسيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية في شبه جزيرة القرم، بعد ذلك قامت روسيا بضم القرم تحت سيادتها، بعد الاستفتاء في القرم، حيث صوتَ سكّان القرم لصالح الأنضمام لروسيا الاتحادية، بحسب النتائج الرسمية، بعد ذلك تصاعدت مظاهرات مؤيدة لروسيا من قبل جماعات انفصالية في دونياس، مما أدى إلى حدوث صراع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والجماعات الانفصالية المدعومة من روسيا.
من جانبهم فقد أدان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية ما فعلته روسيا في أوكرانيا، متهمةً إياها بخرق القانون الدولي، وانتهاك السيادة الأوكرانية، وقام كٌل مِن الأتحاد الأوربي والولايات المتحدة بفرض عقوبات إقتصادية على روسيا، وعلى أفراد وشركات روسية.
واليوم وبعد الاعتراف الروسي بجمهوريتي الإقليم فقد تكون بوابة للمواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا خصوصا ان الأخيرة تسعى من خلال عمليات عسكرية محدودة استعادة السيطرة عليهما، ما ينذر بمواجهة عسكرية مباشرة ربما تصل شرارتها الى دول اخرى ضمن الاتحاد الاوربي في حال عدم ايجاد معالجات سياسية ودبلوماسية للازمة.