كتابات
أخر الأخبار

في مقاهي بغداد.. يعيدون صناعة الماضي

بين جدرانها وطاولاتها تبلورت تيارات أدبية وسياسية وفكرية غيرت وجه العراق

أيٌ مكانة للمقاهي في تاريخ بغداد؟

وأين أصبح دورها اليوم؟

على مرّ التاريخ لعبت بغداد دوراً هاماً في تشكيل الوعي العربي ورفد الثقافة العربية برؤى خالدة وراسخة. كما اشتهرت هذه المدينة بمدارسها ومجالسها، عرفت أيضاً بمقاهيها الساحرة التي تحمل عبقاً وإرثاً تأريخياً فريداً. إذ تلمس خلال تجوالك فيها أرواح فناني العراق وشعرائه وفلاسفته وادباءه ، وصولاً إلى الباعة والحراس والعشاق. كل سحر في بغداد يبدأ في المقهى ينبع منه لذلك فهي تشبه المدارس أو المنارات التي تعمق إحساس الناس بمدينتهم وتشكل رابطة وصل بينهم وبين أزمانهم الغابرة هكذا تبلورت داخل المقاهي معظم التيارات الأدبية والسياسية والفكرية التي عرفتها بغداد وغيرت معها وجه البلاد . ففي أربعينيات القرن الماضي كان الناس يقصدون مقهى “الجسر القديم” وهو مقهى صيفي بين منطقتي الأعظمية والكاظمية بغية لقاء الشاعر الراحل معروف الرصافي ويذكر ذلك الشاعر بلند الحيدري قائلاً : “كنا نراه يقطع الطريق مشياً على الأقدام ليلتحق بالمقهى فيلتف حوله الشعراء والأدباء” وكذلك الأمر مع المقهى الذي يطل من جانب الكرخ على نهر دجلة إنه “مقهى البيروتي” الذي شكل ملتقى لمثقفين كبار مثل الأديب توفيق الفكيكي والشاعر محمد الهاشمي ، إضافة إلى عدد من الأدباء والمثقفين الذين رفضوا أشكال الحداثة وحاولوا الحفاظ على التراث العربي خوفاً من التشويه أما “مقهى الرشيد” الذي افتتح عام 1940 وكان مقصداً لمثقفين وكتاب كبار يأتي في مقدمتهم محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وبلند الحيدري إضافة إلى مقاهي “الشابندر” “الزهاوي” “أم كلثوم” و”حسن عجمي” الذي كان يشهد ظهيرة كل يوم جمعة لقاء أدباء مثل عبد الستار ناصر وحميد سعيد وعبد الخالق الركابي لم يقتصر دور المقاهي في بغداد على بناء الذاكرة فحسب إذ شكل مكاناً للمكاشفة واستشراف المستقبل والتطلع نحوه فإن مقاهٍ أخرى ما زالت تلعب دوراً هاماً في بلورة وعي العراقي بوجوده كفرد ومواطن ومن هذه المقاهي “مقهى رضا علوان” الذي تأسس في ستينيات القرن الماضي في منطقة الكرادة في قلب بغداد حيث يرعى أنشطة ثقافية واجتماعية متنوعة بالشراكة مع مؤسسات محلية ودولية وحكومية ، مثل الأمسيات الشعرية وتواقيع الكتب ورعاية المهرجانات المحلية ، فضلاً عن إقامة أمسيات سينمائية مجانية خلال شهر رمضان المبارك . أما مقهى “قهوة وكتاب” الذي افتتح عام 2016 فسيكون أول مقهى في العاصمة العراقية يقدم الكتب والقهوة لزبائنه ويشهد لقاءات بين مثقفين وشعراء من الجيل الجديد غالباً ، إضافة إلى إحياء الأمسيات الشعرية وتواقيع الكتب. وفي هذا الإطار أن مقاهي بغداد لن تنسى الإرث الحضاري الذي تحمله وتحاول جاهدة للحفاظ عليه بطريقة أو بأخرى سواء من القهوة أو القصيدة أو الكتاب أو الكلمة أوالفكرة أو حتى من خلال كوب الشاي كأنها تعبر بذلك بشكل غير صريح عن فكرة غرائبية بعض الشيء ومفادها أن “المستقبل مجهول لكن الماضي يمكنك صنعه الآن” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى