معرض العراق الدولي للكتاب عكس هوية بغداد الثقافية
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية اليوم تقريرا عن معرض العراق الدولي للكتاب ذكرت فيه ان من يدخل أروقة المعرض فانه ينسى كل همومه ويعيش في عالم آخر متجولا بين أروقة اجنحة المعرض لدور نشر بلدان مختلفة تعرض كتبها على رفوف ومناضد.
وعند مجسم عبارة كلمة Book المنصوبة في الواجهة والتي تم تصميمها من خلال لصق عشرات كتب ببعضها يقف هناك زوار لأخذ صور سيلفي معها، انها فرصة لكثير من العراقيين للتعبير عن فرحهم وعكس هوية بغداد الحقيقية بعيدا عن صخب السياسة والمخاوف الأمنية.
ميسون الدملوجي، نائبة سابقة لوزارة الثقافة، التي كانت تزور المعرض قالت “هناك فجوة كبيرة بين الناس في الشارع والنخبة السياسية، الناس في الشارع ليس لها ذلك الاهتمام بما يحصل في أروقة السياسة”.
وقالت الدملوجي ان النهضة الثقافية الحالية التي تعيشها بغداد قد تعززت اكثر بسبب تحسن الوضع الأمني، وان شريحة الشباب من الناس تواقة للاتصال مع العالم الخارجي.
واردفت قائلة “أجيال جديدة ميسر لها الان الاطلاع على افكار كانت محظورة بالنسبة لأجيال سابقة، كثير من الأشياء تحدث هنا في المعرض”.
في جانب آخر من أرضية معرض الكتاب تم نصب مجسمات تحاكي ابنية بغداد القديمة، وكذلك قدوم باصات تقل تلاميذ وهم يرتدون زيا مدرسيا موحدا في رحلة مدرسية داخلية للمعرض. مجاميع أخرى من أصدقاء جلسوا عند مقاهي في الهواء الطلق للاستمتاع بشرب القهوة العربية.
زينب الجوري، 30 عام، اخصائية نفسية جاءت لزيارة المعرض، كانت تقف عند جناح دولة الكويت حيث اشترت كتبا متعلقة بحضارة وادي الرافدين ورواية مترجمة للكاتب ستيفنسون. قالت الجوري “قراءة الكتب هي وسيلتي المفضلة للعلاج. مجرد زيارتي لهذا المعرض الذي انتظرته طويلا هو شيء مفرح يشعرني بالسعادة حتى لو لم اشتر كتبا. العراقيون يحبون الكتب، وهناك مثل قديم يقول القاهرة تكتب وبيروت تنشر وبغداد تقرأ”.
وتشير النيويورك تايمز الى ان العراقيين يفتخرون بتاريخ حضارتهم القديمة وانهم أصحاب اول الحضارات المعروفة ببلاد ما بين النهرين. وأول من عرف الكتابة التي تكشف عنها الواح طينية بالكتابة المسمارية يعود تاريخها لأكثر من 5,000 آلاف سنة مضت. وخلال القرن التاسع، عندما كانت بغداد أكبر مدينة في العالم، كان مترجمون يتجمعون في دار الحكمة ويكلفون بترجمة جميع الاعمال المهمة الموجودة وينقلوها الى العربية فضلا عن اجراء مباريات ثقافية أخرى. علماء من كل انحاء الإمبراطورية العباسية، الممتدة من آسيا الوسطى الى شمال افريقيا، يشدون الرحال لهذه المؤسسة ليشتركوا بأنشطة البحوث وتعزيز التطور العلمي.
بعد مرور 12 قرنا آخر، يأتي شارع المتنبي، حيث تنتعش المحبة للكتاب والأفكار في سوق الجمعة هناك بينما يعرض الباعة كتبهم القديمة والجديدة على طول جانبي الشارع ضمن تقليد يمثل القلب النابض لحياة بغداد الثقافية.
هشام نزار، 24 عاما، له شهادة جامعية بالصيرفة والاقتصاد، ولكنه يعمل وفقا لاختياره بدار نشر للكتب. ومن الكتب البارزة المعروضة عند رفوف جناح دار نشره في المعرض هو كتاب American Nietzsche) ) حول تأثير فلسفة رجل الماني على الولايات المتحدة. ويفصح نزار بان هذا الفيلسوف الألماني، نيتشه، يعتبر ثاني أكبر عقلية في التاريخ الإنساني بالنسبة له بعد ليوناردو دافينشي.
يقول نزار ان أكثر الكتب مبيعا لديه هي من اعمال الكاتب والروائي العراقي، برهان الشاوي، الذي كتب سلسلة روايات من تسعة أجزاء من ضمنها رواية (مشرحة بغداد) التي تنتقد خلفيات عنف ما بعد الحرب في بغداد. حيث ان تاريخ العنف والاضطراب الذي حل بالعراق منذ الغزو الأميركي للبلد عام 2003 وفر مادة غنية للكتاب.
زائرة المعرض، جوري، قالت “اغلب زوار المعرض هم من الشباب، الكتاب يوفر الراحة للقارئ عندما يكون في أصعب الظروف”.
عندما اجتاح تنظيم داعش مساحات واسعة من العراق عام 2014 واتخذ من مدينة الموصل مقرا لخلافته المزعومة، توقفت عندها الحياة التي كان يعرفها أهالي ثاني أكبر مدن العراق. حيث منع التنظيم تداول اغلب الكتب وكذلك الموسيقى. النساء حبسن في بيوتهن. وعلى مدى ثلاث سنوات تقريبا من احتلال داعش للمدينة، كان كثير من أهالي الموصل ماكثين في بيوتهم يقرأون كتبا بالخفاء.
وفي اول مهرجان للقراءة في الموصل، بعد تحرير المدينة من داعش، حضر آلاف الناس لموقع الحدث الذي أقيم في ساحة عامة كان يستخدمها التنظيم سابقا لتدريب مسلحين أطفال. عوائل مع أطفالهم وكبار السن وشباب، جميعهم متعطشون لمزاولة القراءة مرة ثانية في الفضاء المفتوح.
نزار، صاحب دار النشر، قال انه بينما يقوم الكثير الان بقراءة كتب على الانترنيت، فانه هو وكثير آخرين يفضلون مسك الكتاب بأيديهم لقراءته.
وأضاف قائلا “عندما تفتح كتابا بين يديك فكأنما تدخل برحلة مع الكاتب. الكتاب الورقي يحمل روح مؤلفه”.